-
ثقف العنصر السياسي كتابات سياس1&2
كانت مقدّمة «كتابات سياسية 1» موجَّهة خصّيصًا لفهم طبيعة الفعل البشري بناءً على نموذجي ماكيافيلي والعتائقي بالإشارة إلى جدل الحظ والموهبة، ودور الحيلة في تعقُّل الأشياء وإدارة العمليَّات، وتجليَّات ذلك في المباحث المدروسة في ثمانية فصول. يتبيَّن بأنَّ ما أشرنا إليه هناك يخصُّ «ثَقْف» اللحظة الوجودية في الموقف من العالم، و«ثَقْف» اللحظة السياسية في إدارة الشؤون. وهذا بالضَّبط ما تعمل «كتابات سياسية 2» على إبرازه في هذا الكتاب بفصوله التّسعة، لكن بالتَّوكيد على المخيال السياسي أو الكيفية التي يُدرَك فيها الفعل السياسي، ليس بناءً على سلوكيات ووظائف فحسب، بل وأيضًا باللُّجوء إلى مواقف، وذاكرات، وبطولات، ومثالات عُليا. يحمل عنوان الكتاب الأوَّل كلمة «ثِقَاف» (السياسة والأخلاق)، ويحمل هذا الكتاب الثَّاني كلمة «ثَقْف» (العُنصر السياسي)، وليس بين الكلمتين من تعارض، وإنَّما تشتغلان بالموازاة وفي تضايف تام. كل «ثِقَافٍ» كإجراء ثابت واستراتيجي ومُثقل بالإكراهات والضَّوابط والقواعد إنَّما يُقابله (معجميًا)، ويعتمل فيه (فعليًا) «ثَقْفٌ» كإجراء متحوّل وتكتيكي، وفارّ وغير مستقرّ، وطارئ ومباغت، يُحرّكه ويُليّن من خشونته. إنَّ حقل الإمكانات الذي ترتع فيه السياسة هو مجال «الثَّقْف» بامتياز، مع بقاء الحقل نفسه، بقواعده ووسائله، وبرواسخه القاعدية ورواسبه التَّاريخية والتُّراثية، «الثِّقَاف» الذي ينعتُ «الإطار أو الحلبة». -
-
-
جنة عدن
كانت الفصول الخمسة لهذا الكتاب الذي يبحث عن الحوادث التأريخية القديمة التي ورد ذكرها في العهد القديم، في الأصل محاضرات ألقيت في المعهد المصري، وفي الجمعية الملكية الجغرافية في القاهرة خلال سنتي 1913 و1917.
وفي الفترة الواقعة بين السنتي 1909 و1911 ألقيت عدة محاضرات أخرى في الجمعية الملكية الجغرافية في لندن حول موضوع (جنة عدن) و(طوفان نوح) كما نشرت عنهما مقالا في مجلة بلاكوود الصادرة في شهر أكتوبر (تشرين الثاني) سنة 1914.
أما الفصول الثلاثة الأخيرة فهي نص المحاضرات كما ألقيت حرفية. وأما الفصلان الأولان فقد أدرج فيهما المحاضرتان الأوليان مع بعض تعديلات وإضافات جديدة.
-
-
-
-
-
حدادون وخيميائيون
في كل نص حديث يتناول تاريخ الأديان يطالعنا اسم مرسيا إلياد الروماني (1907_1986) المؤرخ والفيلسوف والخبير في تاريخ الأفكار والمعتقدات الدينية والأساطير . كان مرسيا الياد ثالث ثلاثة رومانيين أغنوا الثقافة العالمية بشكل مذهل واستطاعوا أن يحملوا معهم شعلة الإبداع والخلق من بلادهم رومانيا التي “في لحمها تسيل بيزنطة وتـتسكع مرة في أوروبا ومرة في الشرق” كما يقول شاعرها مرسيا دينسكو: تريستان تزارا في الشعر وإميل سيوران في الفلسفة ومرسيا إلياد في تاريخ الأديان. الخيمياء كانت أيضا في صلب اهتمامات إلياد الذي لم يكن يعتبرها أصلا خرافيا للكيمياء ساد العصور الوسطى ولكن ظاهرة تسمح لنا بتفسير الأديان والمعتقدات كظواهر ثقافية إيجابية وجديرة بالاهتمام، ملاحقاً جذورها في المجتمعات القديمة حيث كانت النباتات والأحجار والمعادن تتخذ طابعا مقدسا وتنمو الخامات المعدنية مثل الأجنَة في رحم الأرض الأم. منقباً في الأساطير الأفريقية والصينية واليونانية والهندية يعتبر مرسيا إلياد أن تجربة المقدس تجربة كونية ومؤسسة للنوع البشري: يباغتنا العملاق الروماني باستشهادات من أعلام الثقافة العربية والإسلامية مثل الإمام جعفر الصادق وابن وحشية النبطي وابن سينا وابن الرومي في وصفه للسيف (العضب) في كتابه حدّادون وخيميائيون الذي تضعه دار الرافدين بين يدي القارىء العربي في زمن أحوج ما نكون فيه إلى قراءة الأديان قراءة تَجمع ولا تفرّق، وتفتح الآفاق للفكر ولا تكون دعوةً للإنغلاق والبَين والتـمايـز وآملين استكمال ترجمة حفريات إلياد في اليوغا والخيمياء إلى لغة الضا